ادعمنا

مدرسة باريس للدراسات الأمنية - Paris School of Security Studies

تعود جذور هذه المدرسة إلى بداية السبعينات تحت تأثير المنظرين الفرنسين المتواجدين بأمريكا الشمالية وكندا أمثال " ميشال فوكلت"، بيار بوردي" وغيرهم... بحيث أتو بأجندة بحثية بنائية وقاموا بإثارة نقاشات حادة في النظرية السياسية والدراسات ما بعد استعمارية والتاريخ وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والعلاقات الدولية وذلك في منتصف سنوات الثمانينات وهذا ما فتح آفاقا أمام مواضيع بحثية تشمل الهجرة، الهوية، الحدود، السيادة، مكانة السياسات الاحترافية بالإضافة إلى المقاربة التكنولوجية التأملية غير أن اتجاه النقاش البحثي والأكاديمي في داخل فرنسا تميز بالانغلاق وتمحور في مجالات محددة شملت علم الاجتماع، العلوم السياسية، السياسات العامة، التاريخ وعلم الإجرام والفلسفة والنظرية السياسية، حيث تقوم مدرسة باريس بتعديل المنظور السائد للأمن عبر ثلاثة طرق:

1- بدلا من تحليل الأمن كمفهوم حتمي، تقترح مدرسة باريس معالجة فوكولية حسب مقاربة ميشال فوكو للأمن وهذا باعتباره " تقنية الحكومة"

2- بدلا من التحقيق في النوايا الكامنة وراء استخدام القوة تركز هذه المقربة على تأثيرات "ألعاب القوة"

3- بدلا من التركيز على "أفعال الكلام" تؤكد مدرسة باريس على الممارسات، الجماهير، والسياقات التي تمكن وتعيق إنتاج أشكال محددة من الحكومية

 

اسهامات مدرسة باريس في الدراسات الأمنية:

- الأمن كنمط للممارسة الشرطية، والمراقبة:

تتسم أعمال باريس على نحو أساسي بتركيزها على أعمال ونشاطات الشرطية، التي أصبحت خلال العقود الأخيرة أكثر كثافة، حيث تتم هذه النشاطات عبر روابط بين مؤسسات مختلفة تعمل ضمن شبكات، ومع اضطلاع الشرطة بطيف أوسع من الأنشطة والوظائف الجديدة، فقد أصبح عملها يمتد ما وراء الحدود الوطنية، كما أنها أصبحت تتم على نحو يتخطى أساليب الشرطة التقليدية ويمس حتى الشؤون الخارجية، حيث تعتبر فكرة المراقبة أو العين الإلكترونية بحسب "دايفيد ليـون"  تجـسيدا معاصرا لفكرة البانوبتية عند "فوكو" والفكرة الأساسية هنا أن الـسلطة يجـب أن تكون منظورة وغير ملموسة، وتتخذ هذه البانوبتيـة في مجتمعنـا المعـاصر أشـكالا عديـدة: اسـتخبارات الاتـصالات, والاسـتخبارات الإلكترونيـة، واسـتخبارات الـرادار، واسـتخبارات الـصور, فهي كلهـا تعمـل تحـت علامـة الاستخبارات التقنية التي تشكل نظاما جديدا للقوة في العلاقات الدوليـة في قدرتها الظاهرة على توفير المعلومـات المفـصلة الخاليـة مـن القيمـة حـول موضوع المراقبة "الصورة لا تكـذب" هـي تعمـل بمثابـة مـصدر تقنـي استراتيجي للحقيقة الأمنية.

كما أدت العولمة في القرن  21 إلى ربط المحلي بالعالمي ودمج الداخلي بالخارجي فأصبحت خارطة الأمن متداخلة واعتمادیة في نفس الوقت، الأمر الذي أدى إلى زیادة حجم التأثیرات الأمنیة، لذلك تركز مدرسة باریس على الدور الذي تلعبه الوكالات الأمنیة أو ما یطلق عليه " "Bigo"محترفي الأمن"  فالأمن في مدرسة باریس كنمط من أنماط الحوكمة یختزل في الممارسات الشرطیة عبر تقنیة المراقبة، وذلك انطلاقا من شبكات تجسد الروابط بین مختلف المؤسسات الأمینة الوظیفیة والتي تتجاوز الحدود الوطنیة، لذلك تركز المدرسة على أهمية التنسیق بین مختلف مهنيو الأمن من خلال الأعمال التعاونیة للشرطیة عبر الحدود، وهو الأمر الذي من شأنه أن یؤسس إلى مفهوم تكنو- استراتیجي قائم على تقنیات المراقبة، فأصبحت بذلك الوكالات الأمنیة "الدرك الوطني، الجمارك، حراسي الحدود، وكالات الهجرة..." قلب ومركز الاهتمامات الأمنیة المتعلقة بمحاربة من الظواهر اللا أمنیة، وبذلك يتمثل تصور مدرسة باريس للأمن وفق النقاط الأساسية التالية:

1- الأمن تقنية حكومية.

2- تمارسه الوكالات الشرطية.

3- تستخدم تقنيات المراقبة.

4- احتكار المعرفة لتحديد طبيعة التهديد وشكل الحقيقة الأمنية.

- دمج الأمن الداخلي بالأمن الخارجي:

تحاول مدرسة باريس دمج الأمن الداخلي بالأمن الخارجي وينتقد أنصارها بشدة التمييز التقليدي بين الأمن الداخلي والخارجي، وترى أن الدمج بينهما يعيد الاعتبار لبعض الفواعل الأمنية وبعض الأجهزة الأمنية التي لم تحظ باهتمام في الماضي كالدرك والجمارك وحرس الحدود وموظفي الهجرة، بحيث يصبحوا في قلب الحقل الأمني لأن قدراتهم الإنتاجية تبدو مناسبة لتحقيق التحديات المعاصرة ويرى " بيغو ديديه" أن الحقل الأمني لا يؤسس على ممارسة القوة والإكراه فقط، ولكن يؤسس على قدرة الفواعل عل إنتاج المعلومات والبيانات التي تبنى عليها الحقائق والاستراتيجيات الأمنية، وحسب "ديديه" فإن الحقل الأمني يجب أن يحقق أربعة شروط:

1- الحقل الأمني باعتباره مجال القوة.

2- الحقل الأمني باعتباره حقل صراع أو ساحة معركة.

3- الحقل الأمني كميدان للهيمنة اتجاه حقل آخر.

4- بوصفه حقل تحول ويعيد ترتيب التحولات الاجتماعية

- مصدر انتاج الحقيقة الأمنية:

يعتبر مهنيو انعدام الأمن حسب المدرسة هم المصدر الأساسي لإنتاج المعرفة والحقيقة الأمنية، فالأجهزة والتقنيات الأمنية تمثل مصدرا مهما للمعرفة والحقيقة الأمنية كالدرك والجمارك والشرطة وحرس السجون والاستخبارات ومكافحة التجسس، ونظم المراقبة عن بعد ...، جميعها تمثل عنصرا هاما لتحديد ما يتم اعتباره تهديدا أو قضية أمنية، فالحقيقة الأمنية حسب المدرسة الباريسية هي نتاج نظم عبر وطنية، فمهنيو انعدام الأمن لهم استراتيجية لتخطي الحدود الوطنية وتشكيل التحالفات، مثل الأعمال التعاونية للشرطة عبر الحدود، ممارسات تبادل قواعد البيانات والتقنيات والخبرات الأمنية بين الفواعل والأجهزة الأمنية عبر الوطنية، فالأمن حسب مدرسة باريس ليس فقط مرجعية ذاتية، بل أيضا تقنية حكومية، وهو القدرة على ممارسة المراقبة، وعليه؛ يطالب هؤلاء أن تكـون لديهم القدرة على تحديـد طبيعـة وأولويـة التهديـدات، لتحديـد مـا يـشكل بالضبط قضية أمنية، هذه السلطة النابعة من قدراتهم التكنولوجية الروتينية  لجمع وتصنيف البيانات تسمح لهـؤلاء المهنيـين بإنـشاء حقـل الأمـن الـذي يعترفون فيه لأنفسهم كمتخصـصين مـؤهلين, في حـين يجـدون أنفـسهم في منافسة مع كل الآخرين لاحتكار المعرفة الشرعية لما يـشكل القلـق الـشرعي والخطر الحقيقي.

 

المصادر والمراجع:

سيد احمد قوجيلي، تطور الدراسات الأمنية ومعضلة التطبيق في العالم العربي. ط1. أبو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2012.

محمد حمشي، "مدخل إلى المدارس الأوروبية في الدراسات الأمنية النقدية". "المجلة الجزائرية للأمن الإنساني"، ع6، جويلية 2018.

إدريس عطية، "النقاشات النظرية في المدارس الأمنية الأوروبية تجاه مسألتي الهجرة واللجوء". "مجلة الدراسات الاستراتيجية والعسكرية"، مج1، ع1، سبتمبر 2018.

حنان عنان، "الهجرة واللجوء وانعكاساتها على أمن الدول _دراسة حالة_ هجرة ولجوء السوريين نحول أوروبا". جامعة  ماي 1945 قالمة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في العلوم السياسية، تخصص علاقات دولية ودراسات أمنية، 2016.

وسام ميهوب، "أثر المتغيرات الاقليمية والعالمية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة على أمن الأنظمة السياسية العربة". جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص علاقات دولية واستراتيجية، 2014.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia